مباشر

عاجل

راديو اينوما

الأخبار : خطيئة الوزير: صهر لا يشبه الرئيس

30-01-2018

صحف

 ليست كافية الاحداث المتلاحقة امس كي تنبئ بفتنة او انهيار امني. أفصحت حقاً عن نذير بأحد ‏استحقاقين: تعريض النظام السياسي للسقوط، او المغامرة بالتلاعب بموازين القوى. لأن كليهما ممنوع ‏الآن، وقع الوزير في اكثر من المحظور. في خطيئة 



احال الفيديو المسرّب لكلام وزير الخارجية جبران باسيل عن رئيس مجلس النواب نبيه برّي خلاف رئيس ‏الجمهورية ميشال عون وبرّي اقرب الى ازمة وطنية، بعدما اقتصر مذ اندلاعه على كونه ازمة دستورية ‏تتصل بتباين تفسير كل منهما المادة 54 من الدستور وتوقيع وزير المال مرسوم منح اقدمية سنة لضباط. ‏كالنار في الهشيم، اسرع مما توقّع القائل ومما تلقف المقصود، انفجرت مشكلة وطنية كادت تتصف ‏بكيانية بين ما يمثله رئيسا الجمهورية والمجلس كل في موقعيه الدستوري والوطني، وما يمثلانه في ‏طائفة كل منهما‎.‎ 


ما نجم عن تسريب كلام باسيل ليل الاحد ــ عفوياً او متعمّداً وفي الغالب تشفياً منه ــ والتزام رئيس ‏الجمهورية الصمت طوال نهار امس، ثم تحرّك الشارع المؤيد لبرّي بغضب موصوف بينما رئيس المجلس ‏يلتزم الصمت ايضاً، من غير ان يستدرك احد من المسؤولين الآخرين، بدا ان ثمة ما قد ينذر بالاسوأ يضع ‏البلاد امام خطر حقيقي‎. 
في حصيلة ساعات طويلة بدأ من السهولة استخلاص درسين: اولاهما سهولة الاستخفاف بعلاقات ‏المسؤولين بعضهم ببعض الى حد توجيه نعوت غير لائقة تصل الى حد الاهانة المقصودة، غير مبرّرة ‏حتى. ثانيهما سهولة تحرّك الشارع او تحريكه ووضعه على حافة بركان‎.‎
‎ 
‎بالتأكيد بدا لافتاً ومثيراً للانتباه ان احداً من نواب تكتل التغيير والاصلاح، او اولئك القريبين من باسيل، كما ‏التيار الوطني الحر، لم ينضم الى السجال تنصّلاً مما سُرّب وفي احسن الاحوال خجلاً منه. مع ذلك، ‏فالكلام الذي قيل لم يكن مجرد وجهة نظر قالها فريق في فريق آخر. لم يكن ايضاً استدراجاً او استفزازاً. ما ‏لم يفعله كل من رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان، احدهما حيال الآخر، في ذروة نزاعهما على المرسوم ‏وتشبّث كل منهما بموقف قاطع لا يتزحزح عنه، اقدم عليه وزير الخارجية في ملف لا يستحق هو مؤتمر ‏ابيدجان، ونحو مرجع يصعب التصويب عليه‎. 


لا يكتفي باسيل باتقانه اختيار اعدائه، من داخل تياره وخارجه، بل ايضاً احاطة نفسه بهم في وقت واحد: ‏هو خصم حزب الكتائب وتيار المردة، يمر في علاقة متردية مع القوات اللبنانية، من دون ان يهضم النائب ‏وليد جنبلاط علاقته به. يحمّل علاقته الموصوفة بالتعاون برئيس الحكومة سعد الحريري اكثر مما يحمّلها ‏الحريري نفسه وهو بالكاد يستطيع تنكّب خصومته مع حزب الله، مقدار اصراره على التحدّث مع الافرقاء ‏الآخرين جميعاً: يختلف مع جنبلاط ويصالحه، يغضب من سمير جعجع ولا يقطع الخيط بينهما، يضمر ‏امتعاضاً من النائب سامي الجميل ويظل متأهباً للحوار معه. يحمل في قرارة نفسه ذنب ترشيحه النائب ‏سليمان فرنجيه للرئاسة ثم تخليه عنه لكنه يحافظ على صداقته به. فوق ذلك كله يجد في رئيس ‏المجلس الرافعة التي يحتاج اليها، وفي رئيس الجمهورية ــ منذ خروجه من الاحتجاز في الرياض ــ ‏الحماية الدافئة‎. 


ما يصح على الحريري، ينطبق ايضاً على حلفائه هؤلاء، واحداً بعد آخر، في بناء تحالفات وعداوات. بين ‏هؤلاء خصومات، الا ان كلاً منهم يفتح نصف باب على آخر، كما بين المردة والقوات اللبنانية، وتيار ‏المستقبل والقوات اللبنانية، وجنبلاط وحزب الكتائب والقوات اللبنانية. بين حزب الله وكل من تيار ‏المستقبل وحزب الكتائب والقوات اللبنانية، والى حد جنبلاط، خلافات تبدو في الغالب غير قابلة للتذليل‎. 
على وفرة ما يجمع هؤلاء بعضهم ببعض، وبعضهم ضد بعض، ثمة مكان واحد لا يريد اي منهم ان يختلف ‏معه وفيه، او يزعله حتى. هو رئيس البرلمان. في عين التينة يحضر الرئيس امين الجميل، وجنبلاط او ‏موفدوه، وفرنجيه، وجورج عدوان باسم جعجع، ووزير الداخلية نهاد المشنوق باسمه كما باسم الحريري ‏ناهيك بالحريري نفسه. في هذا المكان لم يُتح لحزب الله ان يمون على صاحب البيت انتخاب عون رئيساً ‏للجمهورية، الا ان الرجل ترأس الجلسة وادار الانتخاب، عارفاً ان عون سيُنتخب حتماً رئيساً من غير ان ‏يؤيده. في وقت لاحق، قال ما بدا توقّعاً، الا انه امسى اشبه بنبوءة: ذهبنا الى جلسة انتخاب رئيس واحد ‏للجمهورية لا اثنين. قبل اشهر قليلة قال ما هو ابعد من ذلك، معبّراً عن مرارته: ذهبنا الى انتخاب الرئيس ‏عون، فانتخب آخر. اشارة صريحة الى دور صهر الرئيس وزير الخارجية، الآخذ في الانتفاخ‎. 


ليس الصهر الاول لرئيس للجمهورية في الحكم. اولهم عبدالله الراسي الى جانب الرئيس سليمان فرنجيه ‏من دون ان يصير وزيراً. ثانيهم فارس بويز الى جانب الرئيس الياس هراوي وزيراً طوال السنوات التسع. ‏ثالثهم الياس المر الى جانب الرئيس اميل لحود طوال اربع من السنوات التسع. قبل هؤلاء جميعاً ثمة ‏سابقة معكوسة لكن برّاقة وذات مغزى: ان يكون رئيس للجمهورية صهر احدى اهم الشخصيات ‏المسيحية الواعية المثقفة تقف في وجه الرئيس الصهر كي تحول دون تمديد ولايته. سقط الرئيس ‏الصهر. تلك حال الرئيس بشارة الخوري وشقيق زوجته ميشال شيحا. على مرّ قصص الاصهار اولئك، لم ‏يقل احد منهم او اوحى انه اكثر نفوذاً من الرئيس نفسه. لم يورّط اي منهم عمّه‎. 


أسف باسيل، اللاحق، عما قاله في حق رئيس المجلس لم يستدرك الخطأ. لم يكن ما قاله انزلاقاً، او زلة ‏لسان، كي يُصحَّح بأسف. في وقت لاحق على تسريب الفيديو ليل الاحد، وزّعت مواقع الكترونية النص ‏الكامل لكلام وزير الخارجية، بالصوت، قال فيه اكثر من "بلطجي". احد ما قاله "تكسير رأس...". واقع الامر ‏اتت نعوت باسيل في سياق عرض متكامل لما اعتبره رواسب الحقبة السورية، قال انه يريد التخلص منها ‏بعدما هضمت حقوق المسيحيين واستولت على الدولة. بيد انه اغفل ثلاثة آخرين كانوا في صلب الحقبة ‏تلك: حزب الله الذي هو حليف عمّه الرئيس لا حليف التيار الوطني الحر، الحريري الابن وارثاً من الحريري ‏الاب كل الدور والمكاسب، جنبلاط الحليف المستجد في دائرة الشوف ــ عاليه‎. 


ما حمله ردّ فعل حزب الله على كلام وزير الخارجية وانحيازه العلني الى برّي، مؤشران يعكسان خياريه‎: 


اولهما، ان ما يجعله مديناً لعون لا ينطبق بالضرورة على اي آخر في التيار الوطني الحر، بما في ذلك ‏رئيسه الذي لا يشبه رئيس الجمهورية‎. 


ثانيهما، ان الرئيس الحالي للمجلس هو الرئيس المقبل له بما يعنيه ذلك انه في صلب معادلة التوازن ‏الداخلي داخل الطائفة الشيعية، كما داخل لعبة التوازن بين المؤسسات الدستورية، فسّرها انحيازه الى ‏برّي وموقفه من مرسوم الاقدمية‎.‎

This website is powered by NewsYa, a News and Media
Publishing Solution By OSITCOM

Copyrights © 2023 All Rights Reserved.