مباشر

عاجل

راديو اينوما

انتهاء صلاحية النظام الإقتصادي اللبناني!

13-11-2018

محليات

طلال فيصل سلمان

طلال فيصل سلمان

نشر البنك الدولي مؤخراً تقريره السنوي الروتيني حيث ناقش فيه زملاؤنا الاقتصاديون مشاكل اقتصادنا والصعوبات التي تواجهه والمخاطر على النظام المالي والنقدي ككل في ظل مشاكل بنيوية في النظام الإقتصادي اللبناني (Lebanese Business Model) مع التشديد على الحاجة الماسة والسريعة للإصلاح.

شدّد التقرير أن ليس بإستطاعة لبنان المضي بعجز مزدوج في الميزان التجاري وفي المالية العامة والإستمرار بتمويلهما من خلال التحويلات الخارجية.

في كل مرة ينشر تقرير مماثل من جهة دولية، أكانت منظمة دولية أو بنك عالمي أو شركة تصنيف ائتماني، ينشغل اللبنانيون بالحديث عنه مطولاً، حتى يأتي خبر مثير أخر طبعاً، كأن هذه التقارير كلها كشفت سراً عجيباً أو لأنها أجنبية فتصبح ذات مصداقية. هذه التقارير بمعظمها توصيفية وهي لم تتوقّف عن لفت نظر اللبنانيين عبر السنين على أهمية التعامل بشكل مختلف مع نظامنا الإقتصادي، وهي حقيقة يعرفها الجميع جيداً.

لبنان بين دول العالم

لبنان يحل في المرتبة ٨٠ عالمياً في مؤشر التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة؛ يقع في المرتبة ١٤٣ عالمياً في ترتيب البلدان الأكثر فساداً، وفي المرتبة ١٤٢ بحسب تصنيف البنك الدولي لسهولة الأعمال (ease of doing business)، مجاوراً النيجر، وهي من أفقر دول العالم بينما تحلّ رواندا التي عانت من حرب أهلية أعنف من لبنان في المرتبة ٢٩ متقدمة على فرنسا.

هذا المؤشر يتضمن تصنيف سهولة إتمام معاملات البناء فيقع لبنان في المرتبة الـ١٧٠، فقطاعنا العقاري الذي نتغنى به ونرفض قبول الواقع أنه متضخم السعر والحجم، هو من الأسوأ لجذب الاستثمارات الحقيقية بدلاً من الاستثمارات الفردية للمغتربين أو للسياح الأغنياء الذين لن تراهم العين مجدداً. أما في تصنيف توزّع الدخل (GINI Income Coefficient) والذي يقيس توزيع الثروة في المجتمع بين الشرائح الغنية والفقيرة فيأتي لبنان في المرتبة ٦٥ قبل فنزويلا. بيئياً وبحسب المؤشر البيئي لجامعة يال (Yale) لبنان يحلّ في المرتبة ٦٧ وطبعاً بتراجع مستمر. أما مؤشر التنافسية الذي يشير إليه تقرير البنك الدولي والذي وضعنا في المرتبة ١٠٥ من أصل ١٣٧ دولة في القائمة، تقع أول دولة عربية، الامارات المتّحدة في هذه الحالة، في المرتبة ١٧ متقدّمة على النمسا وبلجيكا واوستراليا.

فماذا لدينا لنكون مصدومين بهذه التقارير؟ بالإذن من زياد الرحباني، “عنا هالأرزة ع راسي وغيرا شو عنا يا شريك؟”.

نظام إقتصادي غير مستدام:

لدينا أعلى نسبة خدمة دين في العالم كنسبة من واردات الدولة، ولدينا ثالث أعلى دين عام كنسبة من الناتج المحلي، العجز التجاري من الأعلى في العالم كنسبة من الناتج المحلي، ونموّل هذا كله بودائع هي أيضاً من الأعلى في العالم كنسبة من حجم الإقتصاد، فأصبحت الودائع نقمة بعد أن كانت نعمة لأن الإدمان عليها أصبح بحدّ ذاته خطر لأنّ تباطؤها يهدّد النظام المالي والإقتصادي.

لدينا إقتصاد حجمه حوالي 55 مليار دولار بينما كان يجب أن يكون بين ٧٠ و٧٦ مليار دولار لو بقيت نسب النمو مشابهة لسنتي ٢٠٠٩-٢٠١٠. أي خسر لبنان حوالى ٣٠٪ من اقتصاده بسبب تداعيات الحرب السورية على الحركة الإقتصادية بينما الدول الأخرى تنمو، فيصبح لبنان متأخراً ويصل إلى مرحلة تصعب عليه عكس الخسائر المتراكمة في النمو الإقتصادي.

لا شك أن لبنان عانى كثيراً من الحروب فيه وعليه وجنبه، فليس بمقدور أي بلد أن يتحمل كل هذه الضغوطات، بما فيها الأزمة الإنسانية للنازحين السوريين، من دون أن يدفع اثماناً باهظة على اقتصاده ومجتمعه.

 

يبقى السؤال ما العمل؟ الجواب بسيط وهو التكيّف مع الحالة التي أصبحت متوقّعة لدينا (expected and anticipated)، و التركيز على الرؤية ما وراء المشاكل الظاهرة.

يصف تقرير البنك الدولي الإقتصاد اللبناني بنموذج نموّ ذات عيوب (defective growth model) بسب قلة الإصلاحات البنيوية وبسبب إتكاله على السياحة والعقارات لخلق النموّ فيصبح الإقتصاد رهينة لتباطؤ في هذين القطاعين، وتصبح كلفة تمويل إستهلاك الإقتصاد عالية جداً وتترجم بسياسة مالية مكلفة ودين خيالي يؤدي إلى تكبيل القدرة على الإنفاق المنتج لأن الموازنة تصبح معظمها مسخّرة لخدمة الدين.

الدول الصغيرة التي لديها عديد شعب شبيه بلبنان ولكن لديها إقتصاد أضعاف إقتصادنا فقد إختارت نظام إقتصادي ملائم لها، فما الملائم للبنان وكيف نصل إليه؟

إعادة هيكلة النظام الإقتصادي اللبناني:

إعادة النظر باقتصادنا وتفعيله بالموجود من مقوّمات يمكن أن ينشله من حالته. بعض الأفكار التي يمكن أن تأتي بمفعول فوري وتؤدي إلى نتائج في أقل من خمس سنوات:

تحصين وإنماء قطاع الزراعة والمواد الغذائية لتخفيف إتكال لبنان على الاستيراد فهذا يخلق أمن غذائي، يرفع من مستوى المعيشي للأسر العاملة في الزراعة والتي بمعظمها محدودة الدخل، ويخفف الضغط على إحتياطي الدولار إذ يستورد لبنان حالياً حوالى ٣ مليارات دولار من المواد الغذائية وهي بمفردها أعلى من جميع صادرات لبنان. طبعاً هذا يتطلب خطط مائية وتجارية وزراعية وبيئية لإتمام هذه الرؤية.

تعزيز الصناعة بجميع اشكالها بما فيها الأدوية والتي لا يمكن أن تزدهر قبل إصلاح قطاع الكهرباء الذي أصبح يهدد النظام بأكمله. فإصلاحه الذي طال كثيراً سيوقف النزيف في المالية العامة، في ميزان المدفوعات وفي إحتياطي مصرف لبنان، وسيطلق القدرة على أن تكون صناعتنا تنافسية في المنطقة.

الإستثمار في الطبابة والتعليم وبالتالي بالرأس المال البشري اللبناني قبل أن يصبح تصديرنا للكفاءة أيضاً في خطر بعد أن تراجع المستوى الصحي والتربوي للبنانيين.

تشجيع وإنماء قطاعات جديدة لكي يصبح الناتج القومي متنوع وصلب أمام تقلبات نعرف أنها لن تختفي في الزمان القريب. قطاعات مثل إقتصاد المعرفة والحشيشة لاغراض طبية مهمين جداً ولكن مهم أيضاً إدخال غيرها على سبيل المثال البيو تكنولوجي والتصنيع الدقيق (precision manufacturing)

تحصيل الضرائب كنسبة من الناتج المحلي هو أقل من ١٤٪ بينما يستطيع أن يكون ١٨٪ من دون زيادة ضرائب جديدة. الحل هو إعادة الثقة بين المواطن والدولة كي يتحمل الكل دوره. على الدولة أن تؤمن الخدمات الأساسية وأن تعاقب المتخلفين عن الدفع، وعلى المواطن الإلتزام بدفع متوجباته. هذا العقد الإجتماعي لا يمكن إعادة لحمه قبل أن تأخد الدولة على عاتقها أداء دورها.

تمويل مشاريع انمائية ومربحة من خلال الشراكة مع القطاع الخاص وليس من خلال استدانة جديدة من قبل الدولة. تصبح الودائع التي تستعمل حالياً لتمويل الإستيراد والجشع في الإستهلاك، متوافرة لتنمية البنى التحتية والتي تؤدي إلى إخراج القطاعات المنتجة من عنق الزجاجة.

العمل على تحسين شروط أداء الأعمال من خلال إصلاحات جذرية في معاملات الدولة لأنه أصبح مستحيلاً على لبنان جذب استثمارات حقيقية نظراً إلى التصنيفات أعلاه.

 

هذه الإجراءات جميعها ممكنة وسهلة التطبيق إذا وُجدت الإرادة؛ لبنان على مفترق طرق، ينهض ويزدهر بأبسط السياسات الإقتصادية أو يتابع تراجعه حتى تسبقه جميع الدول في العالم، والباقية قليلة، فيصبح التعويض عن الخسائر شبه مستحيل.

services
متجرك الإلكتروني في أقل من عشرة أيام!

انطلق من حيث أنت واجعل العالم حدود تجارتك الإلكترونية…

اتصل بنا الآن لنبني متجرك الإلكتروني بأفضل الشروط المثالية التي طورتها شركة أوسيتكوم؛ أمنًا، سعرًا، وسرعة.
اتصل بنا

This website is powered by NewsYa, a News and Media
Publishing Solution By OSITCOM

Copyrights © 2023 All Rights Reserved.