مباشر

عاجل

راديو اينوما

ositcom-web-development-in-lebanon

في اشكالية التعددية القومية والاثنية

05-02-2021

آفــاق

الدكتورة ميرنا داوود

أستاذة جامعية وكاتبة

مقال بحثي في اشكالية التعددية القومية والاثنية للدكتورة والاستاذة الجامعية ميرنا داوود وهو يأتي في باب العرض والتشخيص وليس ايجاد حلول

مقالي البحثي في اشكالية التعددية القومية والاثنية وانا في باب العرض والتشخيص وليس ايجاد حلول :

مما  دفعني للحديث عن هذا الموضوع هواللغط الشديد حول مفهوم الطائفية والاثنية والقومية وهما على النقيض، وأستنتجت أن ثغرة كبيرة قد حصلت في تحديد مفهوم القومية وأن هذا التخبط ناتج من اعتبار القومية مرادفة للاثنية والعرق. يجب عدم الخلط بين القومية والاثنية وكأن المفاهيم القومية كافة ترتكز إلى العنصر والعرق، فلقد اختلف المفكرون عبر العصور في تحديد ماهية القومية، وان تمثلت بدايات بعض القوميات بالتشديد على العنصر واعطائه أهمية قصوى إلا أن التطور التاريخي أسقط صفة الاثنية عنها.

 فيجب علينا الأخذ بعين الأعتبار أن القومية مفهوم حديث النشأة ظهر في القرن التاسع عشر، ويقوم على تنظيم الهيئة الاجتماعية بترتيب مختلف لما كان متعارف عليه من قبل، فبإمكاننا على سيبل المثال ترتيب مجموعة من البشر ضمن أنماط مختلفة: قد تنتظم المجموعات البشرية على شكل قبائل، أو قد تنتظم أثنياً، فيجتمع من يعتبرون أنفسهم من عرق معين مقابل عرق آخر، أو قد ينتظمون دينياً.

وعلينا التركيز أن الفرق شاسع وكبير بين الهوية الاثنية أو الدينية من جهة، والهوية القومية من جهة أخرى.

فالمعيار القومي يتمحور حول انتماء شعب معين الى أرض معينة، فالهوية تُعطى بحسب المكان الذي يولد ويقيم فيه الفرد.

فاذا نظرنا الى الدول الحديثة لوجدناها مبنية على أسس الدولة "الامة"، واستخدام مصطلح "دولة حديثة" في الغرب يعني الدولة "الأمة" في مقابل الدول "الغير الحديثة" التي لا تزال تعتبر الهوية الاثنية أو القبلية هي العامل الأوحد في تحديد الانتماء.

وبطبيعة الحال فان هذا المفهوم القومي الحديث له نتائج بالغة الاهمية بالنسبة لهيكلة التنظيم داخل المجتمع فالولاء للأمة لا للعشيرة أو للانتماء الديني، فهذه الاخيرة تأتي في المرتبة الثانية لان اللحمة القومية تفرض هذه التراتبية والتي من دونها ينهار المجتمع القومي. وبالتالي، تُلغى كل الحواجز التي تقف بين المواطن ودولته فلا تمثيل بالواسطة، أي لا تمثيل للمواطن عبر الطائفة أو العشيرة في السلطة السياسية أو الاجتماعية.

ومن المجحف أن نجد اليوم العديد من المثقفين المشرقيين يرفعون شعارات اسقاط القومية إما عن غباء أو ارتهان لدول غربية بعينها ترى بأن مصالحها تتعارض مع هذا المفهوم بغية تعزيز مفهوم الطائفية الدينية والمذهبية واللعب على هذا الوتر الحساس تحت شعار فرق تسد. وينتهي الأمربقبول الكيانات كما هي. يبدو هذا الحل وكأنه ينهي المعضلة بالنسبة الى البعض، الا أن الحقيقة مغايرة لذلك، فإن لم ينتظم مجتمع تحت سقف القومية، انتظم تحت معايير أخرى فحين تسقط الحالة القومية تحل محلها معايير الشخصنة كالاتحاد تحت لواء الطائفة والمذهب أوالعشيرة او لاعتبارات أثنية وهذا هو المطلوب بالنسبة للبعض. وللاسف الشديد فهذا هو واقع مشرقنا اليوم ، فما إن سقطت المشاريع القومية حتى برزت كل هذه المشاريع التقسيمية التي تمعن في تمزيق المنطقة، وأصبحت بعض الدول الغربية تقوم بتمويل أقلام وأبحاث ساهم في كتاباتها العديد من الصحافيين المشرقيين أدت بنا الى ما نحن عليه اليوم من اقتتال طائفي ومذهبي وأثني على مجمل الساحة المشرقية. فالقومية هي الرديف المفترض به احتواء جميع سكان بقعة جغرافية معينة، وكسر هذا المفهوم لا يؤدي الا الى العودة الى كل اشكال الحروب الاثنية والدينية التي مر بها التاريخ والتي تقود لا محالة الى التدمير الكامل للمنطقة.

وفي حقيقية الأمر فنحن لا نزال في بداية الطريق، ونريد أن نقفز الى النهاية قفزة واحدة متخطين واقع التخلف الاجتماعي والتشظي الذي نعاني منه، فلا امكان للوحدة على المثال الاوروبي الذي ينادي ويتداعى له البعض من دون المرور بالمبدأ القومي، أو الدخول في عالم ما بعد القومية، وأي تخل عن العمل من أجل ترسيخ الدولة القومية لن يؤدي بنا إلى التوحٌد الا على النمط الداعشي التكفيري والاقصائي وقد اختبرناه جلياً في السنوات الأخيرة من جراء ارتدادات "الشتاء العربي".

ومن هنا اركز على أن بناء المجتمع القومي لا يعني بأي حال من الاحوال تخلي المواطنين عن أصولهم الاثنية أو الدينية، بل فقط التشديد أن هذه الهويات تأتي في المرتبة الثانية، فولاء رجل الدين الايطالي مثلاً هو لايطاليا أولاً وليس للفاتيكان، وولاء الأميركي من أصول افريقية هو للولايات المتحدة الاميركية لا لأفريقيا.

وسوف أحاول تبسيط الصورة فاذكر سوريا كمثال، يعرّف السوري نفسه على أنه مواطن سوري الهوية، أصله أرمني أو شركسي أو عربي أو كردي، أو أنه مسلم أو مسيحي، من دون أن يغيّر ذلك شيئاً من حقوقه. وعدم حصول هذا الاندماج يعني فشل المتحد في ممارسة مبدأ المواطنة ومبدأ المساواة الديمقراطي. فهذان المبدآن يرتكزان على عدم السماح لأية اثنية او طائفة أو مذهب بلعب دور بديل عن الوطن.

وبالتوازي فان أية هيمنة لعنصرية اثنية أو دينية تؤدي الى انهيار الدولة القومية الجامعة لأنها ستبني دويلات منغلقة على نفسها وهي بمثابة كانتونات، يوجد فيها مواطنون درجة أولى، ومواطنون درجة ثانية، وهكذا دواليك، مما يشجع المواطنين الى المطالبة بالانفصال أو التمرد واثارة حرب أهلية، لأن مفهوم المواطنة الحقة قد سقط.

ومن هنا يبدأ الحديث عن "الاكثرية والاقلية" لأن هذه الاخيرة متصلة اتصالاً وثيقاً بالاتحاد الديني والمذهبي أوالاثني.

ففي فترة الأنتداب الفرنسي عملت فرنسا على  تقسيم بلاد الشام على أسس أقليات دينية ونجحت.

وكذلك فعلت بريطانيا العظمى فاقتطعت قسم آخر من بلاد الشام ارتأت أن تقدمه هدية لأقلية دينية يهودية غربية الهوية، بعد اقتلاع سكانه الاصليين

هذا يعني أننا منذ البداية، أي منذ مئة عام ندور في فلك كيانات قائمة على المذهب والطائفية، ولا علاقة لها البتة بالاسس التي تُبنى عليها الاوطان.

ولعل التحدي الأكبر اليوم الذي يطال بالدرجة الأولى المثقفين ورجال السياسة هو كيفية الخروج من الولاءات الشخصية والعودة الى المبدأ القومي الذي هو النواة الجامعة بيننا.

ومن هنا ولتذليل العقبات برز الحل البراغماتي لبعض "المنظرين" في تسخير الدين لخدمة الفكرة القومية وهذا  الحل الامثل بالنسبة لهم وبحسب فلسفتهم ففي هذه الحالة تجتمع كل المذاهب والاديان لمؤازرة وطنها القومي بما أن مصيرهم ومصير أولادهم هو نفسه طالما يتشاركون بقعة الارض واحدة ، اما براي الشخصي فالموضوع اعقد من ذلك بكثير في بقعة تتنازعها الولاءات والأولويات  !!(د.ميرنا داود)

ositcom-web-development-in-lebanon

مباشر

عاجل

راديو اينوما