09-01-2023
رأي
المسرح ورغم كل الظروف التي مر بها لا يمكن إلا أن يقدس، له هيبته وله رهجته، والأهم من ذلك كله، المسرح قضية وطنية. من العيشية الجنوبية، من مسيرته التي انطلق بها بسن مبكرة، ومن خبرته التي تعدت ال40 سنة، من عيون الممثل القدير منير كسرواني رأينا اليوم المسرح ما بين الماضي والحاضر، فتكلم بشغفه المعتاد عن حلمه الذي صار حقيقة، معتبرا أنه لن يوفي المسرح حقه مهما تكلم.
منير كسرواني ذلك الشاب الجنوبي الذي حمل هموم الوطن والناس على كتفيه ومضى الى مسرحه ليزيل بعضا من تلك الأعباء، لفت خلال مقابلة خاصة معه أنه رغم كل الظروف التي تمر، لا يمكن للمسرح الا أن يكون رسالة، رسالة توجيهية ولو بشكل مبطن وغير واضح تُرسل الى الجمهور المتلقي، لتزرع بداخله روح الثورة والوطنية، وتترك أثرا لبناء الوطن لا هدمه.
وأبدى منير تأسفه عن حال المسرح بهذه الأيام ملقيا اللوم على الساسة والمسؤولين، وعلى كل من قام بتشجيع المسارح الدونية اللا أخلاقية، والمسارح التي لا تحمل قضاية إنسانية، أو وطنية أو حتى تعليمية.
وفي ختام اللقاء تمنى كسرواني أن تمضي المحنة التى تمر على لبنان، وأن تنتهي تلك العاصفة بخير وسلام، راجيا أن يكون هناك قابضة من حديد لتضع نظاما مدنيا حرا ديمقراطيا فعلي، بعيدا عن الطائفية.
أُجريت المقابلة في منزله أمام مكتبته الخاصة، وذلك بناء على طلب منه، حيث أوضح أنه يشعر بالراحة أكثر في هذا المكان، فكانت مقابلة ودية وتناول بأريحية جميع الأسئلة والموضوعات المطروحة:
I. حضرتكم ترددون دائما أن المسرح مساحة التغيير للمجتمع وليست مساحة للترفيه. سوف انطلق من هنا لاتوجه بالسؤال الأول. ماذا يعني لك المسرح؟
- المسرح من بعد الله عبادة، المسرح يقول ديدنة وملعبة وهو محط آمالي وأحلامي، وثورتي وإيماني بالتغيير، وأيضا المسرح هو عالم كبير لا ينتهي، هو عالم جمال، المسرح بالنسبة لي وباختصار هو شيئ مقدس.
II. اليوم بعدما احتل العالم الرقمي حياتنا ومجتمعاتنا وأصبحت الحياة سريعة بكل المجالات ومن ضمنهم المجال الفني، مع كل هذه السرعة وسيطرة التكنولوجيا.. كيف ترى واقع المسرح اللبناني اليوم؟
- انا لا أحب النعي، ولكن يبقى هناك مبادرات فردية رغم أن الدولة بعيدة كل البعد عن النشاط الفني، تنشيط المسرح ليس من جدول أعمالهم، هل سمعتِ أحدا من السياسين يتكلم عن المسرح على المنبر؟ والسبب أن المسرح ثورة ضد السياسة.
لا يخلى الأمر من بعض العروضات لطلاب ورواد رغم الظروف الحياتية الصعبة للمسرح في بيروت، فالمسرح يحتاج الى حياة، الى مكان، والى جمهور.
III. في مقابلة سابقة، ذكرت ان المسرح اليوم ينقسم الى أربع أقسام: مسرح الضمانات، المسرح التجاري، مسرح الدعارة، والمسرح الجاد. ماذا تقصد بهذا التقسيم دكتور منير؟ من الذي فقد قيمته؟ المسرح، الكاتب، المخرج، الممثل، ام الجمهور؟
- هذا سؤال واسع جدا "بدو أطروحة دكتوراه".
جميعنا يتحمل المسؤولية، الواقع أن أشخاصا كثر جعلوا من المسرح وسيلة ربح، وهؤلاء عندما ينتهي عرضهم ينتهي معه الأثر المسرحي، بينما المسرح الفعلي هو الذي يواكب حياة الناس، بل يطرح عليهم طرحا جديدا "طرح التغيير"، وهذا شيء ضروري، حيث يصبح المسرح مكانا للتنبؤ ولاستشراف المستقبل، فيصبح رسولا.
في لبنان هناك خليط من كل شيئ، لكلٍ هدفه ولكلٍ ثقافته الخاصة، منهم من يرضى بالقليل التافه، أما أنا فلا، لا أرضى بمسرح تافه بلا رسالة، مسرح لا يعالج قضية مهمة، إذا كان المسرح لا يعالج قضية اساسية جوهرية فهو مسرح لا قيمة له نهائيا. وهنا القرار يقع على عاتق الجمهور، فهو من يختار طبيعة المسرح التي يريد أن يشاهده.
ومشكلة المسرح مشكلة عالمية اليوم، هناك تراجع كبير بالمسرح عالميا، ولكن المسرح لا يموت، لأن المسرح بحد ذاته حياة.
وفي لبنان ايضا المسرح لم يموت بعد،قد يخلد الى النوم، نعم، ولكن لا يموت. لا تزال هناك بعض العروض الجادة، على الرغم من بقاء مسرحين فقط في بيروت، مسرح المدينة ومسرح مونو، ولكن العروض أصبحت عروض محدودة، اما المسرح اليومي فقد اختفى. كنت أنا، وكان زياد الرحباني، ومعنا كانت المسارح اليومية القائمة على "حك الركاب"، لا وجود للضمانات في عرض مسرحياتنا.
IV. هل تعتقد انه يجب القيام بحملات توعية لإعادة الحياة للمسرح اللبناني وانعاش ذاكرة المتخصصين بهذا المجال؟
- هنا من الممكن لحلقات تلفزيونية أن تساعد، أناس مختصون بالمسرح، لديهم من الخبرة العالية والثقافة بهذا الفن ما يكفي لأن يحاضروا في حلقات خاصة عبر الشاشات، وبطبيعة الحال هذه التغطية لا تكفي وحدها، بل يجب ايضا أن يكون هناك مسرحا جادا، كوميديا كان أم تراجيديا، مسرحا يتناول عرضا جميلا ومن هنا سيقدر الناس هذا المسرح وهذه العروض، كما وسيستطيعون التمييز بين المسرح التجاري او التافه والمسرح الجاد القائم على القيم الجميلة والأبعاد الأنسانية، المسرح الذي يطرح حلولا للمشاكل الحاصلة.
V. ننتقل دكتور منير الى الحديث عن تجربتك بالعمل مع الأخوين الرحباني.. كيف كانت كتجربة وما رأيك بأسلوب الأخوين الرحباني بالاعمال المسرحية؟ وهل تعتبر هذه الفرصة التي اتيحت لك هي لحظة مفصلية بمسيرتك المهنية؟
أنا كنت أحلم بالعمل مع الرحباني،الى أن دعاني المرحوم أستاذي ريمون جبارة الى العمل مع الأخوين الرحباني في مسرحية "المؤامرة مستمرة" بدور "رجل المبادرة العربية". كانت بداية الخير وبداية الجمال وبدأ مشواري في مسيرتي التي كنت أحلم بها. لم يخب ظني أبدا، جميع الذين عملت معهم كانوا ملوكا وأنا كنت الممثل المدلل لديهم، وكان يُضرب بي المثل، حتى بلغنا الى درجة الصداقة والمحبة "منصور ما بيمشي بلاي"، أما المرحوم عاصي الرحباني فكان كل سبت يدعوني الى الطعام في منزله في الرابيه، أصبحت أعتبر نفسي جزءا من عائلة الرحابنة.
VI. إلى أي مرتبة تعتبر أنك وصلت أستاذ منير؟
- وصلت الى مرتبة ممتازة، عندما كنت في الجامعة اللبنانية أدرس المسرح، وعملت مع جميع الأساتذة الكبار، يعقوب، ريمون جبارة، ملتقى، معلوف، فرجان خيديشيان، كرباج وغيرهم، وبدأت عملي المسرحي في أول سنة لي بالجامعة على الرغم من انه كان ممنوعا على الطالب ان يزاول مهنته قبل التخرج ولكن كان ولابد من اختياري وبقيت حتى الآن أعتبر نفسي ملكا على المسرح. والآن أصبح من الممكن أن أكون في دور ثانوي، ولكني بموهبتي أجعل هذا الدور الأول لأني أتقن عملي جيدا.
VII. "المؤامرة مستمرة" أول عمل مسرحي لك مع الرحابنه بالدور الكوميدي "رجل المبادرة العربية".. هل يمكنكم استاذ منير تأدية احد مشاهد هذه الشخصية؟ (مشهد مسرحي مكتوب)
- أكيد، كان دوري بطوليا، دور مميز، كتابته جميلة، مثلا:
"نرسل لكم كتيبة جمال مدرعة و ثلاثين شاعر جوال مع رباباتهن، يغنولنا القصايد ويعجون الأعادي"
كان الرحابنة متنبئين للوضع اللبناني بهذا الدور، وكان دورا جميلا جدا.
VIII. استاذ منير لقد سبق وقلتم في مقابلة أجريتموها انكم تندمون على أعمال قدمتموها: "فلتسقط الدموع" لمنيف عطالله، و"حكم النسوان" لإيلي فغالي انتاج تلفزين الجديد. ما هو سبب هذا الندم؟
- صحيح، كان العمل تافه، من جميع الجهات، كتابةً وإخراجاً وتمثيلاً.
بالإضافة الى عمل ثالث ندمت عليه وهو "الخط الأزرق" لغابي سعد، كان مسلسلا جميلا وكتابته جيدة ولكنه لم يتم إخراجه بشكل صحيح.
IX. أنت كاتب وممثل ومخرج.. في اي مجال من المجالات الثلاث تفوقت اكثر/ في ايها وجد منير كسرواني نفسه أكثر؟
- أنا أثق بنفسي بالدرجة الأولى كممثل، لا شك بذلك.
أما أنا كمخرج فالجمهور والممثلين هم الذين يحكمون على ذلك.
وأنا ككاتب أعتقد أني أصبت الهدف بالرسالة التي اردت ايصالها من خلال كتاباتي ومن خلال الجمهور الذي كان يحضر يوميا الى المسرح لمشاهدة مسرحياتي.
انا كنت حصة المتواضعين والفئة المسحوقة من الناس، فئة العمال المستضعفين في مجمل كتاباتي.
X. اليوم هناك غياب لمنير كسرواني عن المسرح والأعمال المسرحية.. هل طلق منير كسرواني الأعمال المسرحية؟ واذا لا هل من جديد مسرحي سيقدم الى المسرح اللبناني؟
- لا لم أطلّق المسرح أبدا ولكن توقفت لفترة بسبب كورونا، حتى أنه في الصيف الماضي قدمت عروضا عدة وآخرها كان هنا في العيشية، وعلى الرغم من أن "أم طعان، ميراي بانوسيان" لم تكون موجودة معي بسبب السفر الا أني لم أتوقف أبدا، ولكن أعمالي أصبحت حصرا في منطقة الجنوب، واليوم يتم اختيار معظم الممثلين للمسرحيات من منطقة الجنوب.
وبالنسبة للجديد المسرحي، أنا أنتهي عند كلمة "لا أموت"، أي لا يمكن أن أحيا بلا مسرح. وإن شاء الله العمل القادم سيكون بمشاركة "أم طعان".
XI. ما هي امنياتك اليوم للمسرح اللبناني والفن استاذ منير؟
- امنيتي هي أن يتأمن في بيروت مسارح غير المسارح الخاصة، مسرح قومي مثل المسارح في سوريا ومصر والكويت والمغرب وتونس والجزائر، مسرح للعرض بكلفة مقبولة. أمنيتي أن يكون هناك اهتمام بالممثلين والفنانين أكثر، أن يكون هناك لجنة لاختيار الأعمال التي يجب أن يتم دعمها ماديا.
أمنيتي أنا انه "نغفى سوا خيّين ونعيش خيّين"، لبنان وطن لكل الناس بعيدا عن الدين والسياسة. وأدعو الله أن تمر هذه المحنة العظيمة وتنتهي العاصفة التي تعصف بلبنان بخير وسلام.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار