في عاصمة مملكة الدنمارك، نادراً ما تجري فعاليات تخص المثقفين العرب، وكأن المناخ الثقافي مشغول بإيقاعات أخرى، أوروبية على وقع حرب في الجوار الأوكراني، وركود اقتصادي، وتدفق للاجئين من القارات. كل ذلك طبعاً، بعيداً من إشكاليات البلدان العربية من حروب تافهة، وأصوليات مريضة بلوثة الدين، وتخلف مجتمعي، وفقر مادي ومعنوي راحت الطبقات المسيطرة تكرّسه ضمن ثقافة مغلقة نائية بسنوات، نفسياً وثقافياً ومعرفياً، عن حداثة الكوكب الصاعدة بسرعات ضوئية لا أحد يدرك أين مستقرها على هذه الأرض.
توقيع مجموعة شعرية للكاتبة العراقية دنى غالي كان حدثاً ثقافياً واجتماعياً في عاصمة المملكة. اجتمع فيه مهتمون دنماركيون، وعراقيون، على طاولة توقيع ديوان دنى المكتوب بلغة دنماركية صافية. وترافقت الفعالية مع حضور لأصدقاء، ونقاد، ومصورين لهذا المكان الممتع وسط كوبنهاغن، ليس بعيداً من مقبرة الفيلسوف سورن كيركورد، وهو. سي.أندرسون الشاعر والقاص الأسطوري.
حدث هذا رغم رتابة عاصمة تودع صيفها، لتدخل لاحقاً خريفاً بارداً، ثم شتاء ثلجياً يسبغ على المدن، والحقول، مسحة بيضاء مألوفة منذ آلاف السنين.
مجموعة شعرية تحت اسم "غياب أدنى" كتبتها دنى باللغة الدنماركية. وهو الكتاب الأدبي الرابع لها بالدنماركية، وصدر عن دار نشر مقرها مدينة "آهوس"، وهي من كبريات المدن الدنماركية، واسم الدار هيرمان وفرودت. وقد قرأت الكاتبة قصائد من ديوانها للحضور، فيما كان صوت موسيقى العود الشرقي يأتي من عتمة الصالة بخفوت.
كان حضور الأمسية أغلبه دنماركياً، مع عدد من المثقفين العراقيين مثل شاكر الأنباري، وهاشم مطر، وخالد السلطاني، والناشط السياسي حكمة إقبال، والملحن الكبير طالب غالي.
ومن تابع شعر دنى أمكنه ملاحظة مواصفاته بشكل جلي، إذ هو يهجس ويتمتم ويقتصد ويناور المعنى، ثم يوحي بصوره ويقتصد جداً، ويبحث عن شعرية الحياة من جوانب هامشية غير محسوسة للعين. فيدعو القارئ إلى الوقوف عند الجملة وتأمل ظلالها. ربما انعكس هذا التوجس الحياتي، قُل الأنثوي، في الرواية أيضا لذلك ليس من الصعوبة القول إن علاقة شعرها مع أجوائها الروائية ملحوظة وغير منفصلة.
وتظل الروح الأنثوية اليقظة في كتابة التفاصيل واحدة لدى دنى، سواء في الشعر أو الرواية.
أشياء أخرى كثيرة هنا في البيت/ مثلي لا تملك القرار/ ُتعلِن بهدوءٍ حدادَها.
ويُذكر هنا أن أحد إنجازاتها في الدنمارك، ترجمتها لمؤلفات الكاتب الدانماركي هو.سي.اندرسون إلى العربية، وصدر الكتاب قبل سنوات عن دار المدى. وفي كل الأحوال كانت تجربة ناجحة لكاتبة عربية في الدنمارك ذي الثقافة الإسكندنافية، ودنى من البصرة العراقية، وصلت البلد منذ ثلاثين عاماً تقريباً.
غرابُ اختبارٍ حَطّ على الطاولة/ التقطَ على الفور الكلمات التي على هامش الصحن/ وأَسقَطَها في جرّة هذا الصباح.
وهنا قصيدة أخرى:
في قلبي/ في الأسرار المزروعة تحت جلدنا / يفهمها كائن على كوكب آخر بسهولة.