مباشر

عاجل

راديو اينوما

الخطاب العنصري…وباء منتشر

05-07-2025

رأي

الحان سلوم

.

نتباهى أفراداً وجماعات باختلافنا 
وتنوعنا الجغرافي والديني والمناطقي والاجتماعي ونتغنّى اكثر فاكثر بانفتاحنا على العالم وتحررنا وثقافاتنا الفرعية المختلفة .


ولطالما كانت هذه السردية الوحيدة التي نروّج لها وننشرها فيما بيننا وعبر منصات التواصل، لنقنع انفسنا والآخرين أنّنا فعلاً منفتحون ونتقبّل الغير والمختلف والآخر. فأصبحنا بذلك نعيش داخل بقعة من التضليل الذاتي والمجتمعي يصعُب الخروج منها ما دمنا لا نسعى الى ذلك.


لكن هذا المشهد الوردي الذي نرسمه في تصوراتنا وقناعاتنا وحياتنا لا يمتّ للواقع بصلة. هذه الصورة الجميلة التي نعممها هي بعيدة كل البُعد عمّا نحكيه فعلاً ونمارسه ونعيشه، ليأتي خطاب العنصرية ويطغى عليها .خطابٌ ينمو بداخلنا منذ الصغر ويكبر فينا ليتعلمه الأصغر سنّاً ويردده ،معتبرين أنّه " المألوف"و"الطبيعي"، لا أنّه أشبه "بمرض مزمن" يجب القضاء عليه والتخلص منه فنقوم بإعادة إنتاج التقوقع نفسه والوقوع بالأخطاء نفسها لا تفاديها فلا يتمّ وضع حدّ لموجات الكراهية هذه التي نغرق فيها ونغدو ضحاياها.


تُعرّف العنصرية بالمفهوم العلمي ،على أنّها منظومة من المعتقدات والممارسات التي تقوم على فكرة أنّ هناك أعراقاً بشرية مختلفة بعضها متفوّق على الآخر ،تؤدي الى التميير والتحيّز ضد الأفراد والجماعات على أساس عرقهم او أصلهم العرقي او لون بشرتهم.
يوصلنا هذا التعريف الى الواقع، الواقع الذي نؤكد فيه على أنّ الإختلاف هو خلاف لا العكس .على أنّ هناك من هو أدنى منّا , من هو أقل شئناً ومرتبةً منّا ونحن الأكثر فرادةً تميزاً وحضارةً،باعتقادنا أنّ من لا يشاركوننا الصفات نفسها والإنتماءات نفسها هم مختلفون عنّا "ولا يُشبهوننا"، وكما وصف "أمين معلوف "المشهد في كتابه "الهويات القاتلة" عندما قال أنّ "الهوية ليست شيئًا واحدًا ثابتًا، بل هي مزيج من انتماءات متعددة، وأن التمسك بهوية واحدة ضيقة يمكن أن يؤدي إلى صراعات وتوترات" والتمسك هنا بالهوية والتعصب لها يقتل  الآخر لا صاحبها ليمتلك بين يديه أداة إجرامٍ غير إنسانية.ففي مجتمعٍ نتصارع فيه مع من نتشارك معه الانتماءات نفسها لا عجب من أن ندخل في صراعات مع من لا يشاركنا نفس مجموعة الانتماءات هذه .


العنصرية التي تحضر في شوارعنا ,جلساتنا العائلية, مع أصدقائنا ،في أحاديثنا الجانبية,داخل مجتمعاتنا, أنظمتنا التعليمية, المنتجات التي نشتريها ,دور العبادة, المنتجعات السياحية, المؤسسات الإدارية,الموسيقى التي نسمعها, الألعاب الاكترونية التي بين أيدينا, عبر مواقع التواصل, في الحملات الإعلانية والصحف والجرائد ووسائل الإعلام وعند كل تفصيل من تفاصيل حياتنا التي غالباً ما نمارسها دون معرفة أبعادها ،آثارها الجانبية والمعاني التي تحملها ،لأننا "تبرمجنا" على النظام الاجتماعي هذا واعتدنا على الانسجام مع كل ما هو "غير مألوف وغير طبيعي".
يعيدني هذا الموضوع الى أمثلة كثيرة نسمعها ونراها بشكل يومي،بدءاً بقصة روتها لي إحدى صديقاتي وهي في أحد المطاعم المحلية المعروفة التي قُسّمت الى جزئين الأول مخصص للعب الأطفال والثاني للجلوس والتمتّع بالمناظر الطبيعية ،حيث رُفعت لافتة في هذا القسم مكتوبٌ عليها"ممنوع دخول الأجانب " (طبعاً معروف من هم هؤلاء الأجانب) بحجة توسيخ المكان وتخريبه (وكأنّ الفوضى وعدم الترتيب هو سلوك فئة محددة من الناس أو جنسية محددة من الجنسيات فقط لا غير)


وكمّ من أمّ تهين العاملة الأجنبية التي تساعدها في المنزل وتهتم بتربية أولادها وتدير شؤون منزلها وتنعتها بال"سودا" او "الفحمة" أمام مسامع اطفالها ،كمّ مرّة سمعنا كلمة "عبد/ة" او "اسود/سودا" على أصحاب البشرة الداكنة حتى وأصبحت كلمة "سرلنكية" تُقال من باب السخرية والتنكيت لدرجة أنّ البعض نسّي أو تناسى أنّ "سرلنكا" هو بلد مثله مثل أي بلد آخر وأنّ "سرلنكية" هي جنسية مثلها مثل أي جنسية أخرى.
كمّ مرة سمعنا جملة " شو موسخّة ما تقربوا عليها" او "ليكوا شعراتها متل المكنسة والسيفة" وغيرها من السلوكيات والتعليقات المهينة والمسيئة بسبب العرق،ناهيك عن العنصرية المؤسسية والهيكلية داخل الأنظمة والقوانين والائحة تطول…


وفي حادثةٍ ليست الأولى على الإطلاق،وجّهت المخرجة والممثلة والناشطة "لما الأمين" نداءاً الى رئيس الجمهورية "جوزيف عون" بعد تعرضها لموقفٍ عنصري ومهين من قبل أحد عناصر الأمن في مطار رفيق الحريري الدولي بسبب بشرتها الداكنة،حيث طالبت باعتذارٍ رسميّ واتخاذ التدابير الازمة. وتقول الأمين في حديثٍ خاص أجريته معها" أنّ المعاملة العنصرية ما زالت مستمرة لا بل تزداد سوءاً ومن الجيّد وجود مواقع تواصل للإضاءة أكثر على هذه القضايا التي من المهم التحدّث عنها" وتضيف " أنّه من الصعب "العضّ على الجراح" والمضي قدماً والتغاضي عن هذه الحوادث التي توثّر سلباً على حياة كل من يتعرّض لهذه المعاملة" كما وترى " أنّ المسؤولية اليوم تقع على المدارسة والعائلة كونهما أساس تربية وتنشئة كل طفل وتزويده بالقيم الأخلاقية والاجتماعية والإنسانية مشددةً على وجوب التعرّف على الآخر والتشارك مع من هو مختلف والاستماع لتجارب ضحايا هذا الخطاب ومشاعرهم " وتعتبر أنّ الحلّ يكمن في إجراء برامج توعية مكثّفة لتسليط الضوء أكثر على هذه القضية ووجوب سنّ قانون يجرّم الخطاب العنصري ويوفّر سبل الانتصاف للضحايا " وكان قد بادر الرئيس عون إلى إجراء اتصال شخصي بها، أعرب خلاله عن أسفه الشديد لما حصل، مؤكّدًا أن خطوات وإجراءات إضافية ستُتّخذ، وستطال مختلف مؤسسات الدولة، بهدف منع تكرار مثل هذه التصرفات.


ستبقى هذه المشهدية تستمر وتتكرر ما دمنا ننظر الى الآخر بفوقية وكراهية وإستعلاء وشوفينية ،ما دمنا نعتبر أنفسنا الأفضل والأجدر وما دمنا نفتقد للثقافة الكافية،والوعي المجتمعي والفردي،والتنشئة الإجتماعية الصحيحة ،والتوجيه الازم وما دام هناك تقصير من قبل الإعلام والمؤثرين في الإضاءة أكثر على هذا الموضوع وغياب الجهود القانونية والإدارية والنوايا الجدّية لمكافحة هذه الظاهرة وإيقافها.

services
متجرك الإلكتروني في أقل من عشرة أيام!

انطلق من حيث أنت واجعل العالم حدود تجارتك الإلكترونية…

اتصل بنا الآن لنبني متجرك الإلكتروني بأفضل الشروط المثالية التي طورتها شركة أوسيتكوم؛ أمنًا، سعرًا، وسرعة.
اتصل بنا

This website is powered by NewsYa, a News and Media
Publishing Solution By OSITCOM

Copyrights © 2023 All Rights Reserved.